كتاب: كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال **

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال **


مراسيل عروة

30152- عن عروة في نزول النبي صلى الله عليه وسلم الحديبية قال‏:‏ وفزعت قريش لنزوله عليهم وأحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعث إليهم رجلا من أصحابه فدعا عمر بن الخطاب ليبعثه إليهم فقال‏:‏ يا رسول الله إني لألعنهم وليس أحد بمكة من بني كعب يغضب لي إن أوذيت فأرسل عثمان، فإن عشيرته بها وإنه يبلغ لك ما أردت، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان فأرسله إلى قريش وقال‏:‏ أخبرهم أنا لم نأت لقتال، وإنما جئنا عمارا وأدعهم إلى الإسلام وأمره أن يأتي رجالا من المؤمنين بمكة ونساء مؤمنات فيدخل عليهم ويبشرهم بالفتح ويخبرهم أن الله جل ثناؤه يوشك أن يظهر دينه بمكة حتى لا يستخفى فيها بالإيمان تثبيتا يثبتهم قال‏:‏ فانطلق عثمان فمر على قريش ببلدح ‏(‏بلدح‏:‏ اسم موضع بالحجاز قرب مكة‏.‏ النهاية ‏(‏1/150‏)‏‏.‏ ص‏)‏ فقالت قريش‏:‏ أين‏؟‏ قال‏:‏ بعثني رسول الله إليك لأدعوكم إلى الله عز وجل وإلى الإسلام، ونخبركم أنا لم نأت لقتال أحد وإنما جئنا عمارا، فدعاهم عثمان كما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا‏:‏ قد سمعنا ما تقول فانفذ لحاجتك، وقام إليه أبان بن سعيد بن العاص فرحب به، وأسرج فرسه فحمل عثمان على الفرس فأجاره وردفه ‏(‏وردفه‏:‏ بالكسر - أي‏:‏ تبعه‏.‏ المختار 191‏.‏ ب‏)‏ أبان حتى جاء مكة، ثم إن قريشا بعثوا بديل بن ورقاء الخزاعي وأخا بني كنانة، ثم جاء عروة بن مسعود الثقفي - فذكر الحديث فيما قالوا وقيل لهم - ورجع عروة إلى قريش وقال‏:‏ إنما جاء الرجل وأصحابه عمارا، فخلوا بينه وبين البيت، فليطوفوا فشتموه‏.‏

ثم بعثت قريش سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى ومكرز بن حفص ليصلحوا عليهم فكلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوه إلى الصلح والموادعة فلما لان بعضهم لبعض وهم على ذلك لم يستقم لهم ما يدعون إليه من الصلح وقد أمر بعضهم بعضا وتزاوروا، فبينا هم كذلك وطوائف المسلمين في المشركين لا يخاف بعضهم بعضا ينتظرون الصلح والهدنة إذ رمى رجل من أحد الفريقين رجلا من الفريق الآخر فكانت معركة وتراموا بالنبل والحجارة، وصاح الفريقان كلاهما وارتهن كل واحد من الفريقين من فيهم، فارتهن المسلمون سهيل بن عمرو ومن أتاهم من المشركين، وارتهن المشركون عثمان بن عفان ومن كان أتاهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البيعة، ونادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ألا إن روح القدس قد نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بالبيعة فاخرجوا على اسم الله فبايعوا، فثار المسلمون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو تحت الشجرة، فبايعوه على أن لا يفروا أبدا، فرعبهم الله تعالى، فأرسلوا من كانوا قد ارتهنوا، ودعوا إلى الموادعة والصلح - وذكر الحديث في كيفية الصلح والتحلل من العمرة قال‏:‏ وقال المسلمون وهم بالحديبية قبل أن يرجع عثمان‏:‏ خلص عثمان من بيننا إلى البيت فطاف به، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ما أظنه طاف بالبيت ونحن محصورون، قالوا‏:‏ وما يمنعه يا رسول الله وقد خلص‏؟‏ قال‏:‏ ذاك ظني به أن لا يطوف بالكعبة حتى نطوف معا، فرجع إليهم عثمان فقال المسلمون‏:‏ اشتفيت يا أبا عبد الله من الطواف بالبيت‏؟‏ فقال عثمان‏:‏ بئسما ظننتم بي فوالذي نفسي بيده لو مكثت مقيما بها سنة ورسول الله صلى الله عليه وسلم مقيم بالحديبية ما طفت بها حتى يطوف بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد دعتني قريش إلى الطواف بالبيت فأبيت فقال المسلمون‏:‏ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أعلمنا بالله وأحسننا ظنا‏.‏

‏(‏كر، ش‏)‏‏.‏

30153- ‏{‏أيضا‏}‏ حدثنا أبو أسامة حدثنا هشام عن أبيه قال‏:‏ خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحديبية وكانت الحديبية في شوال فخرج حتى إذا كان بعسفان لقيه رجل من بني كعب فقال‏:‏ يا رسول الله إنا تركنا قريشا وقد جمعت أحابيشها ‏(‏أحابيشها‏:‏ هم أحياء من القارة انضموا إلى بني ليث في محاربتهم قريشا‏.‏ والتحبش‏:‏ التجمع‏.‏ النهاية 1/330‏.‏ ب‏)‏ تطعمها الخزير ‏(‏الخزير‏:‏ في حديث عثمان ‏(‏أنه حبس رسول الله صلى الله عليه وسلم على خزيرة تصنع له‏)‏ الخزيرة‏:‏ لحم يقطع صغارا ويصب عليه ماء كثير، فإذا نضج ذر عليه الدقيق، فإن لم يكن فيها لحم فهي عصيدة‏.‏ النهاية 2/28‏.‏ ب‏)‏ يريدون أن يصدوك عن البيت، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا تبرز عسفان لقيهم خالد بن الوليد طليعة لقريش، فاستقبلهم على الطريق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ هلم ههنا فأخذ بين سروعتين - يعني شجرتين - ومال عن سنن الطريق حتى نزل الغميم فلما نزل الغميم خطب الناس فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال‏:‏ أما بعد فإن قريشا قد جمعت لكم أحابيشها تطعمها الخزير يريدون أن يصدونا عن البيت فأشيروا علي بما ترون أن تعمدوا إلى الرأس - يعني أهل مكة - أم ترون أن تعمدوا إلى الذين أعانوهم فتخالفوهم إلى نسائهم وصبيانهم، فإن جلسوا جلسوا موتورين مهزومين، فإن طلبوا طلبونا طلبا متداريا ضعيفا فأخزاهم الله‏؟‏

فقال أبو بكر‏:‏ يا رسول الله إن تعمد إلى الرأس فإن الله معينك، وإن الله ناصرك وإن الله مظهرك، قال المقداد بن الأسود وهو في رحله‏:‏ إنا والله يا رسول الله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لنبيها‏:‏ اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكم مقاتلون فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا غشي الحرم ودخل أنصابه بركت ناقته الجدعاء فقالوا‏:‏ خلأت ‏(‏خلأت‏:‏ في حديث الحديبية ‏(‏أنه بركت به راحلته، فقالوا‏:‏ خلأت القصواء، فقال‏:‏ ما خلأت القصواء، وما ذاك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل‏)‏‏.‏ الخلاء للنوق كالإلحاح للجمال، والحران للدواب‏.‏ يقال‏:‏ خلأت الناقة، وألح الجمل، وحرن الفرس‏.‏ النهاية 2/58‏.‏ ب‏)‏ فقال‏:‏ والله ما خلأت وما الخلأ بعادتها، ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة، لا تدعوني قريش إلى تعظيم المحارم فيسبقوني إليها هلم ههنا لأصحابه فأخذ ذات اليمين في ثنية تدعى ذات الحنظل، حتى هبط على الحديبية، فلما نزل استسقى الناس من البئر، فنزفت ولم تقم بهم فشكوا ذلك إليه فأعطاهم سهما من كنانته، فقال اغرزوه في البئر فغرزوه في البئر فجاشت ‏(‏فجاشت‏:‏ في حديث الحديبية‏)‏ ‏(‏فما زال يجيش لهم بالري‏)‏ أي‏:‏ يفور ماؤه ويرتفع‏.‏ النهاية 1/324‏.‏ ب‏)‏ وطما ‏(‏وطما‏:‏ في حديث طهفة ‏(‏ما طما البحر وقام تعار‏)‏ أي‏:‏ ارتفع بأمواجه‏.‏ وتعار‏:‏ اسم جبل‏.‏ النهاية 3/139‏.‏ ب‏)‏ ماؤها حتى ضرب الناس بعطن ‏(‏بعطن‏:‏ العطن‏:‏ مبرك الإبل حول الماء‏.‏ يقال‏:‏ عطنت الإبل فهي عاطنة وعواطن‏:‏ إذا سيقت وبركت عند الحياض لتعاد إلى الشرب مرة أخرى‏.‏ النهاية 3/258‏.‏ ب‏)‏ فلما سمعت به قريش أرسلوا إليه أخا بني حليس وهم من قوم يعظمون الهدي فقال‏:‏ ابعثوا الهدي، فلما رأى الهدي لم يكلمهم كلمة، وانصرف من مكانه إلى قريش فقال‏:‏ يا قوم القلائد والبدن والهدي فحذرهم وعظم عليهم‏.‏

فسبوه وتجهموه وقالوا‏:‏ إنما أنت أعرابي جلف ‏(‏جلف‏:‏ الجلف‏:‏ الأحمق‏.‏ وأصله من الجلف ‏(‏وهي الشاة المسلوخة التي قطع رأسها وقوائمها‏.‏ النهاية 1/287‏.‏ ب‏)‏ لا نعجب منك ولكنا نعجب من أنفسنا إذ أرسلناك؛ اجلس، ثم قالوا لعروة بن مسعود‏:‏ انطلق إلى محمد ولا تؤتين من ورائك، فخرج عروة حتى أتاه فقال‏:‏ يا محمد ما رأيت رجلا من العرب سار إلى مثل ما سرت إليه سرت بأوباش الناس إلى عترتك وبيضتك التي تفلقت عنك لتبيد خضراءها تعلم أني قد جئتك من عند كعب بن لؤي وعامر بن لؤي قد لبسوا جلود النمور عند العوذ المطافيل يقسمون بالله لا تعرض لهم خطة إلا عرضوا لك أمرا منها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ إنا لم نأت لقتال ولكنا أردنا أن نقضي عمرتنا وننحر هدينا، فهل لك أن تأتي قومك فإنهم أهل قتب ‏(‏قتب‏:‏ القتب للجمل كالا كاف لغيره‏.‏ النهاية 4/11‏.‏ ب‏)‏ وإن الحرب قد أخافتهم وإنه لا خير لهم أن تأكل الحرب منهم إلا ما قد أكلت فيخلون بيني وبين البيت فنقضي عمرتنا وننحر هدينا ويجعلون بيني وبينهم مدة تزيل فيها نساؤهم ويأمن فيها سربهم، ويخلون بيني وبين الناس فإني والله لأقاتلن على هذا الأمر الأحمر والأسود حتى يظهرني الله أو تنفرد سالفتي، فإن أصابني الناس فذاك الذي يريدون، وإن أظهرني الله عليهم اختاروا؛ إما قاتلوا معدين وإما دخلوا في السلم وافرين

قال‏:‏ فرجع عروة إلى قريش فقال‏:‏ تعلمن والله ما على الأرض قوم أحب إلي منكم، إنكم الإخواني، وأحب الناس إلي، ولقد استنصرت لكم الناس في المجامع، فلما لم ينصروكم أتيتكم بأهلي حتى نزلت معكم إرادة أن أواسيكم، والله ما أحب الحياة بعدكم تعلمن أن الرجل قد عرض نصفا فاقبلوه، تعلمن أني قدمت على الملوك ورأيت العظماء واقسم بالله إن رأيت ملكا ولا عظيما أعظم في أصحابه منه لن يتكلم معه رجل حتى يستأذنه، فإن هو أذن تكلم وإن لم يأذن له سكت، ثم إنه ليتوضأ فيبتدرون وضوءه ويصبونه على رؤوسهم يتخذونه حنانا‏.‏

فلما سمعوا مقالته أرسلوا إليه سهيل بن عمرو ومكرز بن حفص فقالوا‏:‏ انطلقوا إلى محمد فإن أعطاكم ما ذكر عروة فقاضياه على أن يرجع عامه هذا عنا ولا يخلص إلى البيت حتى يسمع من يسمع بمسيره من العرب أنا قد صددناه، فخرج سهيل ومكرز حتى أتياه وذكرا ذلك له فأعطاهما الذي سألا فقال‏:‏ اكتبوا بسم الله الرحمن الرحيم قالوا‏:‏ والله لا نكتب هذا أبدا قال‏:‏ فكيف‏؟‏ قالوا‏:‏ نكتب باسمك اللهم، قال‏:‏ وهذه فاكتبوها فكتبوها قال‏:‏ اكتب هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله فقالوا‏:‏ والله ما نختلف إلا في هذا، فقال‏:‏ ما أكتب‏؟‏ فقالوا‏:‏ إن شئت فاكتب محمد بن عبد الله قال‏:‏ وهذه حسنة فاكتبوها فكتبوها، وكان في شرطهم‏:‏ أن بيننا للعيبة ‏(‏للعيبة‏:‏ ومنه الحديث ‏(‏وأن بينهم عيبة مكفوفة، أي‏:‏ بينهم صدر نقي من الغل والخداع، مطوي على الوفاء بالصلح‏.‏ والمكفوفة‏:‏ المشرجة المشدودة‏.‏ النهاية 2/327‏.‏ ب‏)‏ المكفوفة وأنه لا إغلال ولا إسلال، قال أبو أسامة‏:‏ الإغلال الدروع والإسلال السيوف، ويعني بالعيبة المكفوفة أصحابه يكفهم عنهم، وإنه من أتاكم منا رددتموه علينا، ومن أتانا منكم لم نرده عليكم‏.‏

فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ومن دخل معي فله مثل شرطي فقالت قريش‏:‏ من دخل معنا فهو منا له مثل شرطنا، فقالت بنو كعب‏:‏ نحن معك يا رسول الله وقالت بنو بكر‏:‏ نحن مع قريش فبينما هم في الكتاب إذ جاء أبو جندل يرسف ‏(‏يرسف‏:‏ الرسف والرسيف‏:‏ مشي المقيد إذا جاء يتحامل برجله مع القيد‏.‏ النهاية 2/222‏.‏ ب‏)‏ في القيود فقال المسلمون‏:‏ هذا أبو جندل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ هو لي وقال سهيل‏:‏ هو لي وقال سهيل‏:‏ اقرأ الكتاب فإذا هو لسهيل فقال أبو جندل‏:‏ يا رسول الله يا معشر المسلمين أرد إلى المشركين فقال عمر‏:‏ يا أبا جندل‏:‏ هذا السيف فإنما هو رجل ورجل فقال سهيل‏:‏ أعنت علي يا عمر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هبه لي قال‏:‏ لا قال‏:‏ فأجره لي قال‏:‏ لا قال مكرز‏:‏ قد أجرته لك يا محمد فلم يبح‏.‏

‏(‏ش‏)‏‏.‏

30154- حدثنا خالد بن مخلد حدثنا عبد الرحمن بن عبد العزيز الأنصاري حدثني ابن شهاب حدثني عروة بن الزبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عام الحديبية في ألف وثمان مائة وبعث بين يديه عينا له من خزاعة يدعى ناجية يأتيه بخبر القوم حتى نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم غديرا بعسفان عينه بغدير الأشطاط فقال‏:‏ يا محمد تركت قومك كعب بن لؤي وعامر بن لؤي قد استنفروا لك الأحابيش من أطاعهم قد سمعوا بمسيرك وتركت غدواتهم يطعمون الخزير في دورهم وهذا خالد بن الوليد في خيل بعثوه، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ماذا تقولون ماذا تأمرون‏؟‏ أشيروا علي قد جاءكم خبر من قريش مرتين وماصنعت، فهذا خالد بن الوليد بالغميم، قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ أترون أن نمضي لوجهنا ومن صدنا عن البيت قاتلناه، أم ترون أن نخالف هؤلاء إلى من تركوا وراءهم فإن اتبعنا منهم عنق قطعه الله تعالى‏؟‏ قالوا‏:‏ يا رسول الله الأمر أمرك والرأي رأيك، فتيامنوا في هذا الفعل فلم يشعر به خالد ولا الخيل التي معه حتى جاوز بهم قترة ‏(‏قترة‏:‏ القتر‏:‏ جمع قترة، وهي الغبار، ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏(‏ترهقها قترة‏)‏‏.‏ المختار 410‏.‏ ب‏)‏ الجيش، وأوفت به ناقته على ثنية تهبط على غائط القوم يقال لها‏:‏ بلدح فبركت فقال‏:‏ حل حل فلم تنبعث، فقالوا‏:‏ خلات القصواء قال‏:‏ إنها والله ما خلأت ولا هو لها بخلق ولكن حبسها حابس الفيل، أما والله لا يدعوني اليوم إلى خطة يعظمون فيها حرمة ولا يدعون فيها إلى صلة إلا أجبتهم إليها، ثم زجرها فوثبت فرجع من حيث جاء عوده على بدئه حتى نزل بالناس على ثمد ‏(‏ثمد‏:‏ الثمد بالتحريك‏:‏ الماء القليل‏.‏ النهاية 221‏.‏ ب‏)‏ من ثماد الحديبية ظنون قليل الماء يتبرض ‏(‏يتبرض‏:‏ برض الماء خرج وهو قليل كابترض، وما تبرضت من الماء القليل، وتبرض تبلغ بالقليل، والشيء أخذه قليلا قليلا وفلانا أصاب منه الشيء قبل الشيء وتبلغ‏.‏ القاموس 2/324‏.‏ ب‏)‏ الناس ماءها تبرضا فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قلة الماء فانتزع سهما من كنانته فأمر رجل فغرزه في جوف القليب فجاش بالماء حتى ضرب الناس عنه بعطن‏.‏

فبينما هو على ذلك إذ مر به بديل بن ورقاء الخزاعي في ركب من قومه من خزاعة فقال‏:‏ يا محمد هؤلاء قومك قد خرجوا بالعوذ المطافيل يقسمون بالله، ليحولن بينك وبين مكة حتى لا يبقى منهم أحد قال‏:‏ يا بديل إني لم آت لقتال أحد إنما جئت لأقضي نسكي وأطوف بهذا البيت وإلا فهل لقريش في غير ذلك هل لهم إلى أن أمادهم مدة يأمنون فيها ويستجمون ويخلون فيها بيني وبين الناس، فإن ظهر فيها أمري على الناس كانوا فيها بالخيار أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس وبين أن يقاتلوا وقد جمعوا وأعدوا قال بديل‏:‏ سأعرض هذا على قومك فركب بديل حتى مر بقريش فقالوا‏:‏ من أين‏؟‏ قال‏:‏ جئتكم من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن شئتم أخبرتكم بما سمعت منه فعلت‏؟‏ فقال ناس من سفهائهم‏:‏ لا تخبرنا عنه شيئا وقال ناس من ذوي أسنانهم وحكمائهم‏:‏ بل أخبرنا ما الذي رأيت وما الذي سمعت‏؟‏ فاقتص عليهم بديل قصة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما عرض عليهم من المدة قال‏:‏ وفي كفار قريش يومئذ عروة بن مسعود الثقفي، فوثب فقال‏:‏ يا معشر قريش هل تتهموني في شيء، ألست بالولد ولستم بالوالد‏؟‏ وألست قد استنفرت لكم أهل عكاظ‏؟‏ فلما بلحوا ‏(‏بلحوا‏:‏ ومنه الحديث ‏(‏استنفرتم فبلحوا علي‏)‏ أي‏:‏ أبوا، كأنهم قد أعيو عن الخروج معه وإعانته‏.‏ النهاية 1/151‏.‏ ب‏)‏ علي نفرت إليكم بنفسي وولدي ومن أطاعني‏؟‏ قالوا‏:‏ بلى قد فعلت قال‏:‏ فاقبلوا من بديل ما جاءكم به وما عرض عليكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وابعثوني حتى آتيكم بمصافيها من عنده قالوا‏:‏ فاذهب فخرج عروة حتى نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية فقال‏:‏ يا محمد هؤلاء قومك كعب بن لؤي وعامر بن لؤي قد خرجوا بالعوذ المطافيل يقسمون لا يخلون بينك وبين مكة حتى تبيد خضراؤهم، وإنما أنت بين قتالهم من أحد أمرين‏:‏ أن تحتاج قومك، فلم تسمع برجل قط اجتاح أصله قبلك وبين أن يسلمك، من أرى معك فإني لا أرى معك إلا أوباشا من الناس لا أعرف أسماءهم ولا وجوههم فقال أبو بكر وغضب‏:‏ امصص بظر ‏(‏بظر اللات‏:‏ البظر بفتح الباء‏:‏ الهنة التي تقطعها الخافضة من فرج المرأة عند الختان‏.‏ النهاية 1/138‏.‏ ب‏)‏ اللات، أنحن نخذله أو نسلمه‏.‏

فقال عروة‏:‏ أما والله إن لولا يد لك عندي لم أجزك بها لأجبتك فيما قلت، وكان عروة قد حمل بدية فأعانه أبو بكر فيها بعون حسن والمغيرة بن شعبة قائم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى وجهه المغفر، فلم يعرفه عروة وكان عروة يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما مد يده فمس لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعها المغيرة بقدح كان في يده حتى إذا أخرجه قال‏:‏ من هذا‏؟‏ قالوا‏:‏ المغيرة بن شعبة، قال عروة‏:‏ أنت بذاك يا غدر، وهل غسلت عنك غدرتك إلا أمس بعكاظ‏.‏

فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعروة بن مسعود مثل ما قال لبديل، فقام عروة فخرج حتى جاء إلى قومه فقال‏:‏ يا معشر قريش إني قد وفدت على الملوك على قيصر في ملكه بالشام وعلى النجاشي بأرض الحبشة، وعلى كسرى بالعراق وإني والله ما رأيت ملكا هو أعظم ممن هو بين ظهريه من محمد في أصحابه والله ما يشدون إليه النظر، وما يرفعون عنده الصوت، وما يتوضأ بوضوء إلا ازدحموا عليه، أيهم يظفر منه بشيء، فاقبلوا الذي جاءكم به بديل فإنها خطة ‏(‏خطة رشد‏:‏ أي‏:‏ أمرا واضحا في الهدى والاستقامة‏.‏ النهاية 2/48 ب‏)‏ رشد قالوا‏:‏ اجلس ودعوا رجلا من بني الحارث بن مناف يقال له‏:‏ الحليس قالوا؛ انطلق فانظر ما قبل هذا الرجل وما يلقاك به فخرج الحليس فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلا عرفه وقال‏:‏ هذا الحليس وهو من قوم يعظمون الهدي، فابعثوا الهدي في وجهه فبعثوا الهدي في وجهه قال ابن شهاب‏:‏ فاختلف الحديث في الحليس؛ فمنهم من قال‏:‏ جاءه فقال له مثل ما قال لبديل وعروة، ومنهم من قال‏:‏ لما رأى الهدي رجع إلى قريش فقال‏:‏ لقد رأيت أمرا لئن صددتموه إني لخائف عليكم أن يصيبكم غب ‏(‏غب‏:‏ في الحديث ‏(‏زر غبا تزدد حبا‏)‏ الغب من أوراد الإبل‏:‏ أن ترد الماء يوما وتدعه يوما ثم تعود، فنقله إلى الزيارة وإن جاء بعد أيام يقال‏:‏ غب الرجل إذا جاء زائرا بعد أيام‏.‏ النهاية 3/336‏.‏ ب‏)‏ فأبصروا بصركم، قالوا‏:‏ اجلس ودعوا رجلا يقال له مكرز بن حفص بن الأحنف من بني عامر بن لؤي، فبعثوه فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ هذا رجل فاجر ينظر بعين فقال له مثل ما قال لبديل وأصحابه في المدة فجاءهم فأخبرهم فبعثوا سهيل بن عمرو من بني عامر بن لؤي يكاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم على الذي دعا إليه فجاء سهيل بن عمرو‏.‏

فقال‏:‏ قد بعثتني قريش إليك أكاتبك على قضية نرتضي أنا وأنت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ نعم اكتب بسم الله الرحمن الرحيم قال‏:‏ ما أعرف الله وما أعرف الرحمن ولكن اكتب كما كنا نكتب باسمك اللهم، فوجد الناس من ذلك وقالوا‏:‏ لا نكاتبك على خطة حتى يقر بالرحمن الرحيم قال سهيل‏:‏ إذا لا أكاتب على خطة حتى أرجع قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ اكتب باسمك اللهم هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله قال‏:‏ لا، لا أقر لو أعلم أنك رسول الله ما خالفتك ولا عصيتك ولكن محمد بن عبد الله، فوجد الناس منها أيضا قال‏:‏ اكتب محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو فقام عمر بن الخطاب فقال‏:‏ يا رسول الله ألسنا على الحق أو ليس عدونا على الباطل‏؟‏ قال‏:‏ بلى قال‏:‏ فعلام نعطي الدنية في ديننا‏؟‏ قال‏:‏ إني رسول الله ولن أعصيه ولن يضيعني وأبو بكر متنح بناحية، فأتاه عمر فقال‏:‏ يا أبا بكر فقال‏:‏ نعم قال‏:‏ ألسنا على الحق أو ليس عدونا على الباطل‏؟‏ قال بلى قال‏:‏ فعلام نعطي الدنية في ديننا‏؟‏ قال‏:‏ دع عنك ما ترى يا عمر، فإنه رسول الله ولن يضيعه الله ولن يعصيه، وكان في شرط الكتاب‏:‏ أنه من كان منا فأتاك فكان على دينك رددته إلينا، ومن جاءنا من قبلك رددناه إليك قال‏:‏ أما من جاء من قبلي فلا حاجة لي برده، وأما التي اشترطت لنفسك فتلك بيني وبينك، فبينما الناس على ذلك الحال إذ طلع عليهم أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في الحديد قد خلا له أسفل مكة متوشح السيف فرفع سهيل رأسه فإذا هو بابنه أبي جندل فقال‏:‏ هذا أول من قاضيتك عليه رده، فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ يا سهيل إنا لم نقض الكتاب بعد قال‏:‏ وما أكاتبك على خطة حتى ترده قال‏:‏ فشأنك به فبهش ‏(‏فبهش‏:‏ ومنه حديث ابن عباس رضي الله عنهما ‏(‏أن رجلا سأله عن حية قتلها فقال‏:‏ ‏(‏هل بهشت إليك‏)‏ أي‏:‏ أسرعت نحوك تريدك‏.‏ النهاية 1/166‏.‏ ب‏)‏ أبو جندل إلى الناس‏.‏

فقال‏:‏ يا معشر المسلمين أرد إلى المشركين يفتنوني في ديني فلصق به عمر وأبوه آخذ بيده يجتره وعمر يقول‏:‏ إنما هو رجل ومعك السيف فانطلق به أبوه فكان النبي صلى الله عليه وسلم يرد عليهم من جاء من قبلهم يدخل في دينه، فلما اجتمع نفر فيهم أبو بصير ردهم إليهم أقاموا بساحل البحر، فكأنهم قطعوا على قريش متجرهم إلى الشام فبعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ إنا نراها منك صلة أن تردهم إليك وتجمعهم، فردهم إليه، فكان فيما أرادهم النبي صلى الله عليه وسلم في الكتاب أن يدعوه يدخل مكة فيقضي نسكه وينحر هديه بين ظهريهم، فقالوا‏:‏ لا تتحدث العرب أنك أخذتنا ضغطة أبدا ولكن ارجع عامك هذا، فإذا كان قابل أذنا لك فاعتمرت وأقمت ثلاثا وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال للناس‏:‏ قوموا فانحروا هديكم واحلقوا وأحلوا، فما قام رجل ولا تحرك، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم الناس بذلك ثلاث مرات، فما تحرك أحد منهم ولا قام من مجلسه، فما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك دخل على أم سلمة وكان خرج بها في تلك الغزوة فقال‏:‏ يا أم سلمة ما بال الناس أمرتهم ثلاث مرار أن ينحروا وأن يحلقوا وأن يحلوا، فما قام رجل إلى ما أمرته به، فقالت يا رسول الله‏:‏ اخرج أنت فاصنع ذلك، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يمم هديه فنحره ودعا حلاقه فحلقه، فلما رأى الناس ما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبوا إلى هديهم فنحروه، وأكب بعضهم يحلق بعضا حتى كاد بعضهم أن يغم بعضا من الزحام، قال ابن شهاب‏:‏ وكان الهدي الذي ساق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه سبعين بدنة، قال ابن شهاب‏:‏ فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر على أهل الحديبية على ثمانية عشر سهما لكل مائة رجل سهم‏.‏

‏(‏ش‏)‏‏.‏

30155- عن عطاء قال‏:‏ خرج النبي صلى الله عليه وسلم معتمرا في ذي القعدة معه المهاجرون والأنصار، حتى أتى الحديبية فخرجت إليه قريش فردوه عن البيت حتى كان بينهم كلام وتنازع حتى كاد يكون بينهم قتال فبايع النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه - وعدتهم ألف وخمسمائة - تحت الشجرة وذلك يوم بيعة الرضوان، فقاضاهم النبي صلى الله عليه وسلم فقالت قريش‏:‏ نقاضيك على أن تنحر الهدي مكانه وتحلق وترجع حتى إذا كان العام المقبل نخلي لك مكة ثلاثة أيام ففعل فخرجوا إلى عكاظ، فأقاموا فيها ثلاثا واشترطوا عليه أن لا يدخلها بسلاح إلا بالسيف ولا تخرج بأحد من أهل مكة إن خرج معك فنحر الهدي مكانه، وحلق ورجع حتى إذا كان في قابل في تلك الأيام دخل مكة وجاء بالبدن معه وجاء الناس معه فدخل المسجد الحرام، فأنزل الله تعالى ‏(‏لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين‏)‏ وأنزل عليه ‏(‏الشهر الحرام بالشهر الحرام‏)‏ - الآية، فأحل الله لهم إن قاتلوه في المسجد الحرام أن يقاتلهم، فأتاه أبو جندل بن سهيل بن عمرو وكان موثوقا أوثقه أبوه فرده إلى أبيه‏.‏

‏(‏ش‏)‏‏.‏

30156- عن عطاء قال‏:‏ كان منزل النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية بالحرم‏.‏

‏(‏ش‏)‏‏.‏

غزوة الفتح

30157- ‏{‏مسند الصديق رضي الله عنه‏}‏ عن أسماء بنت أبي بكر قالت‏:‏ لما كان عام الفتح خرجت ابنة لأبي قحافة فلقيتها الخيل وفي عنقها طوق من ورق، فاقتطعه إنسان من عنقها فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد قام أبو بكر فقال‏:‏ أنشد بالله والإسلام طوق أختي، فوالله ما أجابه أحد ثم قال الثانية فما أجابه أحد فقال‏:‏ يا أخية احتسبي طوقك، فوالله إن الأمانة اليوم في الناس لقليل‏.‏

‏(‏هق‏)‏ في الدلائل‏.‏

30158- عن الزهري عن بعض آل عمر عن عمر بن الخطاب أنه قال‏:‏ لما كان يوم الفتح ورسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة أرسل إلى صفوان ابن أمية وإلى أبي سفيان بن حرب وإلى الحارث بن هشام قال عمر‏:‏ فقلت قد أمكن الله منهم لأعرفنهم بما صنعوا حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ مثلي ومثلكم كما قال يوسف لإخوته‏:‏ ‏(‏لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين‏)‏ قال عمر‏:‏ فانفضحت حياء من رسول الله صلى الله عليه وسلم كراهية أن يكون بدر مني وقد قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال‏.‏

‏(‏كر‏)‏‏.‏

30159- عن عبد الرحمن بن صفوان قال‏:‏ لبست ثيابي يوم فتح مكة، ثم انطلقت فوافقت النبي صلى الله عليه وسلم حين خرج من البيت فسألت عمر أي شيء صنع النبي صلى الله عليه وسلم حين دخل البيت‏؟‏ فقال‏:‏ صلى ركعتين‏.‏

ابن سعد والطحاوي‏.‏

30160- ‏{‏مسند عثمان‏}‏ عن معان بن رفاعة السلامى عن أبي خلف الأعمى وكان نظير الحسن بن أبي الحسن عن عثمان بن عفان أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة أخذ بيد ابن أبي سرح وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ من وجد ابن أبي سرح فليضرب عنقه، وإن وجده متعلقا بأستار الكعبة، فقال‏:‏ يا رسول الله فيسع ابن أبي سرح ما وسع الناس ومد إليه يده فصرف عنقه ووجهه ثم مد إليه يده فصرف عنه يده، ثم مد إليه يده أيضا فبايعه وآمنه، فلما انطلق قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ أما رأيتموني فيما صنعت‏؟‏ قالوا أفلا أومأت إلينا يا رسول الله قال رسول الله‏؟‏ ليس في الإسلام إيماء ولا فتك إن الإيمان قيد الفتك والنبي لا يومئ يعني بالفتك الخيانة‏.‏

‏(‏كر‏)‏؛ ومعان بن رفاعة ضعيف‏.‏